جاءت سيارة برونكو ثمرةً لإبداع نخبة من ألمع المهارات الأسطورية، بدءاً من الفرق التي خطفت كأس الفوز في “سباق باجا 1000” وصولاً إلى هواة جمع السيارات الذين يعملون على تجديدها واستعادة رونقها الأصلي اليوم.
لكن قصة برونكو تتضمن نجماً أسطورياً لا تقتصر أهميته على المشاركة في تصميم أول سيارة رياضية متعددة الاستعمالات بالدفع الرباعي من فورد، بل إنه أول مصمم أمريكي أفريقي يدخل قطاع السيارات في التاريخ.
إنه ماكينلي تومسون جونيور، أحد مصممي فورد الذين ساهموا في ابتكار الجيل الأول من برونكو، وأول مصمم أمريكي أفريقي ينضم إلى فريق فورد بعد تخرجه من “كلية آرت سنتر للتصميم” في باسادينا بولاية كاليفورنيا وحصوله على شهادة في تصميم وسائل النقل عام 1956.
استهل ماكينلي مسيرته المهنية في استوديو فورد للتصميم المتقدم في ديربورن تحت إشراف جورج ووكر، نائب رئيس التصميم في فورد، حيث عمل على عدة مشاريع أبرزها شاحنة خفيفة بمقصورة أمامية، وعدة رسومات أولوية لنموذج فورد موستانج المرتقب وسيارة فورد جي تي 40 الأسطورية.
وعمل أيضاً على تصميم سيارة فورد جايرون المستقبلية لعصر الفضاء، وهي سيارة بعجلتين تم عرضها في معرض “قرنٌ من التطور” في روتوندا بولاية فلوريدا عام 1961.
وفي هذا السياق، قال كريستوفر يونج، مصمم المقصورة الداخلية لسيارة فورد برونكو: “كان تومسون إنساناً مؤمناً بأحلامه، فسعى إلى تحقيقها وساهم بكتابة سطر متميز على صفحة التاريخ. وعلاوة على نجاحه في تحطيم حواجز التمييز العرقي في قطاع تصميم السيارات آنذاك، ساهم تومسون في ابتكار عدد من أشهر السيارات مثل موستانج وثندربيرد وبرونكو، وجميعها تصاميم خالدة درستها أجيال من المصممين”.
ومن أبرز المشاريع التي شارك بها تومسون، سيارة برونكو الرياضية متعددة الاستعمالات، حيث قدم نموذجاً لسيارة دفع رباعي بتصميم مفتوح يضم هيكلاً قصيراً مربع الشكل ومرتفعاً عن الأرض مع مقدمة وخلفية قصيرتين لتوفير قدرات مثالية على الطرقات الوعرة.
وقد ساهم أحد التصاميم التي قدمها تومسون بعنوان “المقترح الإجمالي رقم 5 لسيارة برونكو” وتمت صناعة نموذج عنه في 24 يوليو 1963، في استلهام الخصائص الأيقونية للجيل الأول من برونكو.
وفي التصميم الذي اقترحه تومسون، جاء شكل ووظيفة العجلات في أقصى زوايا الهيكل ليمنح السيارة وقفة واثقة وشرسة عند مشاهدتها من أي زاوية، بينما جاءت الأقواس فوق العجلات بانعطاف طفيف نحو الخارج لتعبر عن سرعة السيارة.
وأضاف يونج: “من أصعب ما واجه تومسون برأيي، هو العمل ضمن القيود المفروضة للتوصل في النهاية إلى منتج جميل. ففرق الهندسة توضح الشكل والوظيفة، بينما تحدد فرق الإنتاج كيفية التصنيع والتجميع، ويطالب قسم التمويل بتكاليف إنتاج منخفضة”.
وكان تصميم السيارة متعددة الاستعمالات ذات البابين نموذجاً سيعود إليه تومسون لاحقاً. فبعد تقاعده من فورد، عمل تومسون على تصميم وبناء نموذج تخيّله لمركبة متعددة الاستعمالات بسعر معقول أطلق عليها اسم “واريور” (المحارب).
واستندت السيارة الصغيرة متعددة الاستعمالات على هيكل مصنوع من الألياف الزجاجية على هيئة قطعة واحدة، وهي عملية حلم تومسون بها قبل عقود.
المحارب والحالم
ولد تومسون في عام 1922 ونشأ في منطقة كوينز بنيويورك، وأبدى اهتماماً بالسيارات منذ طفولته، وتذكر لاحقاً رؤيته لسيارة “ديسوتو ايرفلو” باللون الرمادي الفضي عندما كان في الثانية عشرة من عمره.
وعن تلك المرحلة، قال تومسون في مقابلة وثقتها مؤسسة هنري فورد: “حينها، انقشعت الغيوم لتشرق من خلفها أشعة الشمس وتضيء تلك السيارة كمصباح متوهج”. وتذكر تومسون أنه جرى نحو السيارة لكن إشارة المرور تحولت إلى اللون الأخضر، وأضاف: “كانت تلك أكثر مرة يبهرني فيها شيءٌ ما في حياتي، وأدركت حينها أن هذا بالضبط ما أرغب به، أن أكون مصمماً للسيارات”.
خدم تومسون في قوات سلاح الإشارة خلال الحرب العالمية الثانية، وتعلم حينها ابتكار التصاميم الأولية وعمل منسقاً للمخططات الهندسية. وبعد الحرب، شكل هذا العمل مصدر دخل له ولعائلته الآخذة بالنمو، لكن عشقه للسيارات وحلمه بأن يكون مصمماً بقي يراود مخيلته.
وفي أوائل الخمسينيات، دخل تومسون مسابقة تصميم أطلقتها “مجلة موتور تريند” حيث شارك بتصميم سيارة توربينية بجسم بلاستيكي مقوى، وكلاهما كانا مفهومين رائجين في فترة ما بعد الحرب.
وبعد فوزه بالمسابقة، التحق تومسون بقسم تصميم وسائل النقل في كلية آرت سنتر للتصميم.
وفي مرحلة لاحقة من مسيرته المهنية في فورد، عمل تومسون أيضاً على مشروع السيارة التي لطالما حلم بها في مرآب استأجره في مدينة ديترويت بين عامي 1969 و1979 مستعيناً بصديقه والاس تريبليت الذي نجح أيضاً بتحطيم حاجز التمييز العرقي وأصبح أول أمريكي أفريقي يلعب لصالح فريق ديترويت ليونز في عام 1949.
وعمل الاثنان على بناء نموذج أولي وقدموا الخطط لشركات صناعة السيارات الناشئة في الدول النامية. وكان تومسون يأمل في تغيير هذه البلدان إلى الأفضل، بنفس الطريقة التي تصورها هنري فورد عبر إطلاق طراز Model T.
وفي نهاية المطاف، أوقف تومسون المشروع، لكن أحلامه بقيت تحلق في مخيلته. وتقاعد تومسون من فورد في عام 1984 وانتقل إلى أريزونا مع زوجته، وتوفي في 5 مارس 2006.
قال يونج: “فضلاً عن عمله على سيارة برونكو الأصلية، ساهم تأثير ماكينلي تومسون جونيور في تمهيد الطريق أمام آخرين مثله ربما لم تتسنى لهم فرصة للتعبير عن مواهبهم الإبداعية وتحقيق أحلامهم بالانضمام إلى واحدة من أعظم الشركات الأمريكية”.